الذكاء الاصطناعي
هل يستطيع الذكاء الاصطناعي تحقيق ذاكرة بشرية؟ استكشاف طريق تحميل الأفكار

تساعد الذاكرة الإنسان على تذكر هويته، فهي تُبقي تجاربه ومعارفه ومشاعره متصلة. في الماضي، كان يُعتقد أن الذاكرة تكمن فقط في الدماغ البشري. أما الآن، فيدرس الباحثون كيفية تخزين الذاكرة داخل الآلات.
الذكاء الاصطناعي (AI) يتطور علم النفس بسرعة بفضل الانتشار الواسع للتكنولوجيا. أصبح بإمكانه الآن تعلم المعلومات وتذكرها بطرق تُشبه التفكير البشري. في الوقت نفسه، يدرس العلماء كيفية حفظ الدماغ للذكريات واستدعائها. يتقارب هذان المجالان.
قد تتمكن بعض أنظمة الذكاء الاصطناعي قريبًا من تخزين الذكريات الشخصية واسترجاع التجارب السابقة باستخدام نماذج رقمية. وهذا يُتيح إمكانيات جديدة لحفظ الذاكرة بأشكال غير بيولوجية. ويستكشف الباحثون أيضًا فكرة تحميل الأفكار البشرية إلى الآلات، مما قد يُحدث تغييرًا في طريقة إدراك الناس للهوية والذاكرة. ومع ذلك، تُثير هذه التطورات مخاوف جدية. إذ يُثير تخزين الذكريات أو الأفكار في الآلات تساؤلات حول التحكم والخصوصية والملكية. وقد يبدأ معنى الذاكرة نفسه بالتغير مع هذه التغييرات. ومع التقدم المستمر في مجال الذكاء الاصطناعي، يتلاشى تدريجيًا الحد الفاصل بين فهم الإنسان والآلة للذاكرة.
هل يمكن للذكاء الاصطناعي محاكاة الذاكرة البشرية؟
الذاكرة البشرية عنصرٌ أساسيٌّ من قدراتنا المعرفية، إذ تُمكّننا من التفكير واسترجاع المعلومات. فهي تُساعدنا على التعلّم والتخطيط وفهم العالم من حولنا. تعمل الذاكرة بطرقٍ مُختلفة، ولكلّ نوعٍ منها دوره الخاص. تُستخدم الذاكرة قصيرة المدى للمهام التي تتطلّب انتباهًا فوريًا، حيث تحتفظ بالمعلومات لفترةٍ قصيرة، مثل رقم هاتف أو بضع كلمات في جملة. أما الذاكرة طويلة المدى فتحتفظ بالمعلومات لفترةٍ أطول، ويشمل ذلك الحقائق والعادات والأحداث الشخصية.
في الذاكرة طويلة المدى، هناك أنواع أكثر. ذاكرة عرضية يخزن تجارب الحياة. يتتبع الأحداث، مثل رحلة مدرسية أو احتفال بعيد ميلاد.. الذاكرة الدلالية يحفظ معلومات عامة. ويشمل حقائق مثل اسم عاصمة بلد ما أو معنى مصطلحات بسيطة. جميع أنواع الذاكرة هذه تعتمد على الدماغ. وتعتمد هذه العمليات على الحصينيلعب دورًا هامًا في تكوين الذكريات واستدعائها. عندما يتعلم الشخص شيئًا جديدًا، يُنشئ الدماغ نمطًا من النشاط بين الخلايا العصبية. تعمل هذه الأنماط كمسارات، حيث تساعد على تخزين المعلومات وتسهيل تذكرها لاحقًا. وهكذا يبني الدماغ الذاكرة بمرور الوقت.
في 2024، نشر باحثو معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا دراسة نمذجة ترميز الذاكرة السريع في دائرة الحُصين. يوضح هذا العمل كيف تتكيف الخلايا العصبية بسرعة وكفاءة لتخزين المعلومات الجديدة. ويقدم فهمًا أعمق لكيفية تعلم الدماغ البشري وتذكره باستمرار.
كيف تحاكي الذكاء الاصطناعي الذاكرة البشرية
يهدف الذكاء الاصطناعي إلى محاكاة بعض وظائف الدماغ هذه. تستخدم معظم أنظمة الذكاء الاصطناعي الشبكات العصبية التي تحاكي بنية الدماغ. بنية الدماغ تُلهم هذه. نماذج المحولات أصبحت الآن معيارية في العديد من الأنظمة المتقدمة. ومن الأمثلة على ذلك Grok 3 من xAI، وGemini من Google، وسلسلة GPT من OpenAI. تتعلم هذه النماذج الأنماط من البيانات، ويمكنها تخزين معلومات معقدة. في بعض المهام، يُستخدم نوع آخر يُسمى الشبكات العصبية المتكررة (RNNs) تُستخدم هذه النماذج بشكل أفضل لمعالجة البيانات الواردة بتسلسل، مثل الكلام أو النص المكتوب. يساعد كلا النوعين الذكاء الاصطناعي على تخزين المعلومات وإدارتها بطرق تُشبه الذاكرة البشرية.
مع ذلك، تختلف ذاكرة الذكاء الاصطناعي عن الذاكرة البشرية. فهي لا تتضمن المشاعر أو الفهم الشخصي. في أواخر عام ٢٠٢٤، قدّم باحثون من جوجل ريسيرش نموذجًا معماريًا جديدًا مُعزَّزًا بالذاكرة يُسمى جبابرة. يضيف هذا التصميم وحدة ذاكرة عصبية طويلة المدى إلى جانب آليات الانتباه التقليدية. يُمكّن هذا النموذج من تخزين المعلومات واستدعائها من سياق أوسع بكثير، يشمل أكثر من مليوني رمز، مع الحفاظ على سرعة التدريب والاستنتاج. في اختبارات معيارية شملت نمذجة اللغة، والاستدلال، وعلم الجينوم، تفوقت نماذج تايتان على نماذج المحولات القياسية وغيرها من المتغيرات المُحسّنة للذاكرة. يُمثل هذا خطوة مهمة نحو أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على حفظ المعلومات واستخدامها لفترات طويلة، على الرغم من أن الفروقات العاطفية والذاكرة الشخصية لا تزالان بعيدتين عن متناولها.
الحوسبة العصبية: نهج يشبه الدماغ
الحوسبة العصبية مجال تطوير آخر. يستخدم شرائح خاصة تعمل كخلايا دماغية. آي بي إم TrueNorth و معالج Loihi 2 من Intel مثالان على ذلك. تستخدم هذه الرقاقات خلايا عصبية محفزة، تُعالج المعلومات مثل الدماغ. في عام ٢٠٢٥، أصدرت إنتل نسخة مُحدثة من لويهي ٢، كانت أسرع وأقل استهلاكًا للطاقة. يعتقد العلماء أن هذه التقنية قد تُساعد على جعل ذاكرة الذكاء الاصطناعي أقرب إلى ذاكرة الإنسان في المستقبل.
يأتي تحسين مختلف من أنظمة تشغيل الذاكرة. أحد الأمثلة هو ميم أو إسيساعد هذا النظام الذكاء الاصطناعي على تذكر تفاعلات المستخدم عبر جلسات متعددة. غالبًا ما كانت الأنظمة القديمة تنسى السياق السابق. هذه المشكلة، المعروفة باسم "صومعة الذاكرة"، قللت من فائدة الذكاء الاصطناعي. يحاول MemOS إصلاح هذه المشكلة. أظهرت الاختبارات أن هذا النظام ساهم في تحسين قدرة الذكاء الاصطناعي على التفكير وجعل إجاباته أكثر اتساقًا.
تحميل الأفكار إلى الآلات: هل هو ممكن؟
لم تعد فكرة تحميل الأفكار البشرية على الآلات مجرد خيال علمي، بل أصبحت الآن مجالًا بحثيًا متناميًا، يدعمه التقدم في مجال واجهات الدماغ والحاسوب (BCIs). تُنشئ هذه الواجهات رابطًا بين الدماغ البشري والأجهزة الخارجية، وتعمل من خلال قراءة إشارات الدماغ وتحويلها إلى أوامر رقمية.
في أوائل شنومكس، Neuralink أجرت تجارب بشرية باستخدام غرسات واجهة الدماغ والحاسوب. أتاحت هذه الأجهزة للمصابين بالشلل التحكم في أجهزة الكمبيوتر والأطراف الآلية باستخدام أفكارهم فقط. شركة أخرى، تزامنكما أعلنت الشركة عن نجاحها في استخدام واجهات الدماغ والحاسوب غير الجراحية. مكّنت أنظمتها المستخدمين من التفاعل مع الأدوات الرقمية والتواصل بفعالية رغم القيود الجسدية الكبيرة.
تُظهر هذه النتائج إمكانية ربط الدماغ بالآلات. مع ذلك، لا تزال واجهات الدماغ والحاسوب الحالية تعاني من قيود كثيرة. فهي لا تستطيع التقاط كامل نشاط الدماغ. ويعتمد أداؤها على تعديلات متكررة وخوارزميات معقدة. إضافةً إلى ذلك، ثمة مخاوف جدية تتعلق بالخصوصية. ونظرًا لحساسية بيانات الدماغ، فإن إساءة استخدامها قد تؤدي إلى مشاكل أخلاقية جسيمة.
يتجاوز هدف تحميل الأفكار قراءة إشارات الدماغ، إذ يتضمن نسخ ذاكرة الشخص الكاملة وعملياته العقلية إلى جهاز. تُعرف هذه الفكرة باسم محاكاة الدماغ بالكامل (WBE)يتطلب الأمر رسم خريطة لكل خلية عصبية واتصال في الدماغ ثم إعادة إنشاء كيفية عملها من خلال البرامج.
في عام 2024، قام الباحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بدراسة الشبكات العصبية في العديد من أدمغة الثديياتاستخدموا أساليب تصوير متطورة لرسم خرائط للوصلات المعقدة بين الخلايا العصبية. شملت الدراسة أنواعًا مثل الفئران والقرود والبشر، وكانت هذه الخطوة مفيدة. لكن الدماغ البشري أكثر تعقيدًا بكثير، إذ يحتوي على حوالي 86 مليار خلية عصبية وتريليونات من المشابك العصبية. ولهذا السبب، يقول العديد من العلماء إن محاكاة الدماغ بالكامل قد تستغرق عقودًا.
لقد سهّلت الثقافة الشعبية على الناس تخيّل هذا النوع من المستقبل. برامج تلفزيونية مثل أسود مرآة و تحميل تعرض هذه القصص عوالم خيالية تُخزَّن فيها العقول البشرية رقميًا. تُسلِّط هذه القصص الضوء على الفوائد المحتملة والمخاطر الجسيمة المرتبطة بهذه التقنية. كما تُثير مخاوف كبيرة بشأن الهوية الشخصية والتحكم والحرية. في حين أن هذه الأفكار تُثير اهتمامًا عامًا، إلا أن التكنولوجيا في العالم الحقيقي لا تزال بعيدة عن بلوغ هذا المستوى. لا تزال العديد من التحديات العلمية والأخلاقية دون حل، بما في ذلك حماية البيانات الخاصة ومسألة ما إذا كان العقل الرقمي يُعادل العقل البشري حقًا.
التحديات الأخلاقية والمسار المستقبلي
تُثير فكرة تخزين الذكريات والأفكار البشرية في الآلات مخاوف أخلاقية خطيرة. ومن أبرز هذه المخاوف مسألة الملكية والتحكم. فبمجرد رقمنة الذكريات، يُصبح من غير الواضح من يملك الحق في استخدامها أو إدارتها. كما يُشكل الوصول إلى البيانات الشخصية دون إذن أو استخدامها بطرق ضارة خطرًا.
هناك سؤالٌ حاسمٌ آخر يتعلق بقدرة الذكاء الاصطناعي على الإحساس. إذا كانت أنظمة الذكاء الاصطناعي قادرةً على تخزين ومعالجة الذاكرة كالبشر، يتساءل البعض عن إمكانية امتلاكها للوعي. يعتقد البعض أن هذا قد يحدث في المستقبل. بينما يجادل آخرون بأن الذكاء الاصطناعي لا يزال مجرد أداة تتبع التعليمات دون وعي حقيقي.
يُعدّ التأثير الاجتماعي لتحميل الذاكرة مشكلةً خطيرةً أيضًا. فنظرًا لارتفاع تكلفة هذه التقنية، فقد لا تكون متاحةً إلا للأثرياء، مما قد يزيد من التفاوتات القائمة في المجتمع.
علاوة على ذلك، DARPA تواصل جوجل عملها على واجهة الدماغ والحاسوب (BCI) من خلال برنامجها N3. تركز هذه المشاريع على تطوير أنظمة غير جراحية تربط الفكر البشري بالآلات. الهدف هو تحسين عملية صنع القرار والتعلم. ومن المجالات المتنامية الأخرى الحوسبة الكمومية. في عام ٢٠٢٤، طرحت جوجل شريحة Willow، التي أظهرت أداءً قويًا في تصحيح الأخطاء والمعالجة السريعة. على الرغم من أن أنظمة الكم هذه قد تساعد في تخزين ومعالجة الذاكرة بكفاءة أكبر، إلا أنها لا تزال محدودة. يحتوي الدماغ البشري على حوالي ٨٦ مليار خلية عصبية وتريليونات من الوصلات. يُعد رسم خرائط جميع هذه المسارات، المعروفة باسم الشبكة العصبية، مهمة بالغة الصعوبة. ونتيجة لذلك، لا يزال تحميل الأفكار بالكامل غير ممكن حتى الآن.
التثقيف العام ضروري أيضًا. كثير من الناس لا يفهمون تمامًا آلية عمل الذكاء الاصطناعي، مما يؤدي إلى الخوف والارتباك. تعليم الناس ما يمكن للذكاء الاصطناعي فعله وما لا يمكنه فعله يُسهم في بناء الثقة، كما أنه يدعم استخدامًا أكثر أمانًا للتقنيات الجديدة.
الخط السفلي
يتعلم الذكاء الاصطناعي تدريجيًا كيفية إدارة الذاكرة بطرق تُحاكي عمليات التفكير البشري. وقد أظهرت نماذج وأساليب، مثل الشبكات العصبية، والرقائق العصبية، وواجهات الدماغ والحاسوب، تقدمًا مطردًا. تُساعد هذه التطورات الذكاء الاصطناعي على تخزين المعلومات ومعالجتها بفعالية أكبر.
مع ذلك، لا يزال هدف محاكاة الذاكرة البشرية بالكامل أو تحميل الأفكار إلى الآلات بعيد المنال. فهناك العديد من العوائق التقنية، والتكاليف الباهظة، والمخاوف الأخلاقية الجسيمة التي يجب معالجتها. علاوة على ذلك، تُعدّ قضايا مثل خصوصية البيانات، والهوية، والمساواة في الوصول إليها بالغة الأهمية. كما يلعب فهم الجمهور دورًا محوريًا. فعندما يعرف الناس كيفية عمل هذه الأنظمة، يزداد احتمال ثقتهم بها وقبولهم لها. ومع أن ذاكرة الذكاء الاصطناعي قد تُغيّر نظرتنا للهوية البشرية في المستقبل، إلا أنها لا تزال مجالًا ناشئًا ولم تُدمج بعد في حياتنا اليومية.